يتضمن كتاب الإبراء المستحيل فصلاً كاملاً مخصصاً للهيئة العليا للإغاثة يتضمن الكثير من الأسئلة التي لا أجوبة عليها. فالهيئة تقبل الهبات وتلزّم المشاريع وتفتح الحسابات في مصرف لبنان باسم الغير، وتحوّلت إلى مصدر للتمويل، وتقترض من مصرف لبنان، وتحصل على سلفات خزينة لغايات لا تقع ضمن مهامها

 

أنشئت الهيئة العليا للإغاثة أصلاً بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء 35/1 الصادر بتاريخ 17 كانون الأوّل 1976، والمصدّق بموجب المرسوم الاشتراعيّ 22 الصادر بتاريخ 18 آذار 1977، وحدّد تأليفها كما حدّدت صلاحيّاتها بموجب قرار إنشائها الذي نصّ على أن تتولّى الهيئة المهامّ التالية:
أوّلاً: قبول الهبات (موادّ غذائيّة وحياتيّة) المقدّمة إلى الدولة اللبنانيّة لإغاثة المتضرّرين، وما يحيله عليها مجلس الوزراء من موادّ أخرى.

ثانياً: وضع الأنظمة اللازمة لتسلّم الهبات المذكورة أعلاه، وتوزيعها.
ثالثاً: الأعمال الإداريّة والماليّة.
رابعاً: الأعمال الإعدادية – اللوجستية ــــ كتسلّم الهبات وتأمين نقلها ووضعها في المستودعات.
خامساً: توزيع الهبات.
سادساً: الإحصاءات والمعلومات.
سابعاً: تأمين الأموال اللازمة لتأمين العمل.
ثامناً: إقرار نظام ماليّ.
تاسعاً: الاستعانة بمن تشاء من موظّفي الإدارات العامّة والمؤسّسات العامّة لهذه الغاية.
إلاّ أنّ الهيئة أصبحت مجلس وزراء ثانياً من الناحية النظاميّة، وأداة بيد رئيس مجلس الوزراء يديرها كما يشاء من الناحية الفعليّة. فبموجب القرار 30 الصادر بتاريخ 2 آب 1993، أضيفت إلى مهامّ الهيئة مهمّة «قبول الهبات على اختلاف أنواعها المقدّمة إلى الدولة اللبنانيّة من الدول والهيئات والمنظّمات الدوليّة والإقليميّة والجهات المحلّيّة والأشخاص المعنويّين والطبيعيّين لإغاثة المتضرّرين».
وبموجب القرار 4/97 الصادر بتاريخ 8 كانون الثاني 1997، أضيفت إلى مهامّ الهيئة المهامّ الآتية: «إدارة شؤون الكوارث على اختلاف انواعها. جميع الأمور التي لها طابع الإغاثة والمحالة عليها من قبل مجلس الوزراء. تكلّف الهيئة العليا للإغاثة لهذه الغاية الوزارة المختصّة أو الأمانة العامّة للهيئة القيام بالأعمال التنفيذيّة، ويمكن في كلّ حالة الاستعانة بمختلف الإدارات والمؤسّسات العامّة والخاصّة من أجل تنفيذ مهامّ الإغاثة الشاملة».
هكذا أصبحت الهيئة تقبل الهبات وتلزم المشاريع وتفتح الحسابات في مصرف لبنان باسم الغير، وأضحت منفذاً (Echappatoire – loophole) لتمويل بعض الإدارات والمؤسّسات العامّة؛
فقد ورد في البند 3 من الصفحة 4 من تقرير مفوّض المراقبة على الهيئة العليا للإغاثة (صيداني وشركاهم) عن حسابات الهيئة الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأوّل 2008 ما يلي: «أثناء مراجعتنا لكتاب التأييد المتسلّم من مصرف لبنان كما في 31 كانون الأوّل 2008 تبيّن وجود حسابين مفتوحين باسم الهيئة يبلغ رصيداهما 72,908,153 ليرة، وغير ظاهرين في سجلاّتها. يعود الحساب إلى مساعدة دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ويتمّ تحريكه بالانفراد من قبل مدير المشروع الإماراتيّ لدعم وإعمار لبنان. مع العلم بأنّه لم تسجّل قيمة التبرّعات الواردة أو المدفوعات الصادرة ضمن هذا الحساب في سجلاّت الهيئة. وقد أفادت الهيئة بأنّها أتاحت لهم فرصة فتح هذه الحسابات ولم يجر تسجيلها في سجلاّتها لأنّه ليس لها دور في تحريك الحسابات لكونها تحرّك مباشرة من المعنيّين في المشروع الإماراتيّ».
ولكن من أجاز للهيئة فتح حسابات باسمها للغير؟ وسنداً إلى أيّ نصّ قانونيّ؟

أيضاً ورد في البند 4 من الصفحة 4 من تقرير مفوّض المراقبة على الهيئة العليا للإغاثة (صيداني وشركاهم) عن حسابات الهيئة الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأوّل 2008 ما يلي:
«بالنسبة للحسابات العالقة بين الهيئة ومجلس الإنماء والإعمار والبالغة 23,852,747,000 ليرة. والمتعلّقة بإصلاح بعض الأضرار الناتجة عن العدوان الإسرائيلي، اكتفينا بالحصول على كتاب تأييد من المجلس حول استلامه هذه المبالغ ولم نستلم كتاباً يظهر كافّة الأرصدة والالتزامات مع الهيئة كما في 31/12/2008. مع العلم أننا استلمنا من المجلس كتاباً يظهر لائحة بالعقود المنفذة والقيد التنفيذ والالتزامات المتوجبة على الهيئة. لم نقم بالاطّلاع على ملفّات تلزيم الأشغال لعدم وجودها لدى الهيئة لاقتصار دورها على عمليّة التمويل». لكن هل أصبحت الهيئة العليا للإغاثة مصدراً للتمويل؟ وما الطريقة التي اعتمدت في تلزيم الأشغال لمجلس الإنماء والإعمار؟
كذلك، ورد في الصفحة 7 من تقرير مفوّض المراقبة على الهيئة العليا للإغاثة (صيداني وشركاهم) عن حسابات الهيئة الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأوّل 2008 ما يلي: «الحسابات المرتبطة بالهبة السعوديّة للقوى الأمنيّة» (انظر الجدول)، وهي تظهر أن الهيئة سلّفت المملكة العربية السعودية، ما يثير الكثير من الأسئلة عما إذا كانت الهيئة سلّفت المملكة العربيّة السعوديّة؟ ومن أين جاءت الهيئة بالأموال لتسليفها؟ وهل أصبحت الهيئة وزارة ماليّة ثانية؟ وهل يدخل في مهامّ الهيئة وصلاحيّاتها قبول الهبات للقوى الأمنيّة وإنفاقها عليها؟ وحتّى تسليف الواهب؟
في السياق نفسه، ورد في الصفحة 6 من تقرير مفوّض المراقبة على الهيئة العليا للإغاثة (صيداني وشركاهم) عن حسابات الهيئة الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأوّل 2008 ما يلي: «الحسابات المرتبطة بحرب نهر البارد ورصيدها بتاريخ 31/12/2008 يبلغ 23,905,170,695 ليرة».
فهل اقترضت الهيئة من مصرف لبنان؟ ومن أجاز لها ذلك؟ أليس في هذا الاقتراض مخالفة لأحكام المادّة 88 من الدستور؟
وورد في الصفحة 50 من تقرير مفوّض المراقبة على الهيئة العليا للإغاثة (صيداني وشركاهم) عن حسابات الهيئة الموقوفة بتاريخ 31 كانون الأوّل 2008 ما يلي: «سلفة النفقات
الطارئة في الوزارات والإدارات العامّة 3,007,500,000 ليرة». يمثّل هذا المبلغ الرصيد المستحقّ على الوزارات والإدارات العامّة من سلفة خزينة مقدارها 25,000,000,000 ل.ل. تمّ تخصيصها للهيئة العليا للإغاثة بموجب المرسوم رقم 13388 بعد موافقة مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 9 أيلول 2004، وذلك بغرض سداد النفقات الإداريّة الطارئة في الإدارات العامّة والتي سيقرّر تغطيتها من احتياطيّ الموازنة. علماً أنّه قبض من وزارة الماليّة مبلغ 19,506,198,000 ليرة موزّع وفق الجدول رقم 2.
هذا الأمر يسمح بطرح الأسئلة التالية: هل يصحّ إعطاء سلفة خزينة للغايات المبيّنة أعلاه؟ ألا يعتبر إعطاء سلفة الخزينة المذكورة تحايلاً على القانون؟ وهل يحقّق إعطاء السلفة الغاية من إنشاء الهيئة العليا للإغاثة؟ وما كان مصير رصيد السلفة البالغ أكثر من 3 مليارات ليرة؟